حوار مع عفريت!!!!!!!!!!!

رأيت فيما يري النائم، وقد غفوت علي لحم بطني وأنا صائم، كي أوفر عشائي للفطور، كسرة خبز مدعوم من أيام الفرعون » سينت حور « ، ونمت دون غطاء والليل شتاء، كي أري في منامي ما لا أراه في أيامي، وكنا في العام التاسع من الألفية الثالثة بعد الميلاد، الناس خارجة من أعياد مقبلة علي أعياد .. فإذا بنار من السقف تهبط، فأصحو مفزوعا أتنطط، لاسيما والنار تكورت وانشق عنها دخان ملأ المكان، ثم أخذ يتشكل علي هيئة عفريت من عفاريت سيدنا سليمان، أمسك برقبتي ورفعني وسألني : جاءك الموت يا تارك الصلاة ! أجبته في عجل لعله يعطيني بعض الأمل : صليت وسبحت .. فأين كنت أنت؟ ! قال وهو يتثاءب : كنت نائما في جدار من طين، محبوسًا فيه من آلاف السنين، وفجأة الدنيا ولعت وفرقعت، ولقيت نفسي طائرا في الهواء، حولي كرات من نار وحديد ودماء، وأنا لا أصدق ما يجري من أهوال، ماذا بدل الأحوال وأصاب الإنسان فبات مثل الوحش والحيوان .. فالويل لكم جميعا يا أهل الأرض .. وسوف أبدأ بك أنت ! فقلت له متوسلا : أنا كائن ضئيل راض بالقليل، أعيش مثل القش لا أهش ولا أنش .. وكل جيراني علي نفس حالي ! سألني في غيظ : تقصد جيرانك في الشارع ولا في الميدان الواسع ! قلت : في كل مكان .. من إسكندرية لأسوان ! وفجأة اختفي العفريت وغاب، فأغمضت عيني وحين فتحت وجدته عاد .. دموعه علي خديه، وشفقة في عينيه وارتعاشه في جسده وبحة في صوته : مصر بلد العجائب .. الموهوب فيها خائب، والخائب فيها نائب، والشريف خفيف، واللص حريف، والسكوت غضب والفساد للركب .. والشغال فقير، والفهلوي أمير ! وسألني في أسي : ما كل هذه المآسي؟ ! أجبته محاولا استدرار عطفه : الناس أحوالها صعبة وللذل شاربة، والمحتسب الفشار عمال يعايرهم ليل نهار، ويقول في تصريحات بالملايين والمليارات، إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان بينما الشبان سارحة في الشوارع بلا عمل، والكبار سرقوا الجمل بما حمل، والأهالي مربوطة في ساقية لقمة العيش، حتي لا تسمع ولا تشوف ولا تنطق بالحق، وإذا شافت تخرس، إذا تكلمت تتجرس ! انخرط العفريت في نواح، وحين طبطبت عليه صاح : يا مسكين .. يا ابن حواء وأدم .. باسم مولاي سليمان العظيم أطلب في الحال ما يصلح الأحوال ! قلت : الناس من غير حماس، وأذن الحكومة من طين وأذن السلطة من عجين، فضاع كلامنا عن الحرية .. والإصلاح والديمقراطية . سألني : وهل للعفريت علي الناس » سلطان « إذا كان أمر حياتهم عليهم هان؟ ! قلت : بقوة السحر والقدرة التي وضعها فيك الرحمن .. تبدد حالة التوهان ! قال : كلامك غريب وأمرك مريب .. قلت : الناس نفسها حياتها تتحسن والأيام تبقي أحسن .. تشتغل وتعيش وتتجوز وتسكن وتفرح وتمرح، وتجد حكومة تخدمها من غير ما تعايرها ! قال : هل أحضر لهم كنز سيدنا سليمان أو أسخر لهم إخواني من الجان؟ قلت : لا هذا ولا ذاك .. العقل البطال يبدد أي مال .. وكل نظام تعطن وسرحت فيه الديدان لا ينفع معه كنوز ولا جان .. والأهم هو تنظيفه وتحديثه وإصلاحه كأول خطوة في فلاحه، فالإنسان صانع الثروة، والنظام الكفء يعطيه القدرة . قال العفريت : كلام لا أفهمه .. قل حاجات أعرفها وطلبات احققها؟ ! قلت : نبدأ من النظام العام .. لأنه أصل البلاء وسر الوباء .. دستور جديد يساوي بين السادة والعبيد، الإنسان هو الإنسان مهما كانت ملته أو لون بشرته أو مقدار ثروته . قال : كلام غريب .. لم يعد وجود للسادة والعبيد .. فيه مواطنون متساوون ودستوركم القديم فيه كلام عظيم ! قلت : السادة والعبيد ليست مجرد أسماء وصفات، وإنما أعمال ونفوذ وسلطات، وتغيير الاسم أو حذفه مجرد خدعة فرعونية، علي الطريقة العصرية، الكلام كلام أنبياء والأفعال أفعال سلاطين وأمراء ! قال : ماذا تقصد؟ !.. من فضلك حدد؟ ! قلت : قضاء مستقل لا وزير عدل يعينه ولا رئيس يبدله ، وبرلمان يحاسب ويتحاسب، يحاسب الحكومة ويتحاسب من الناس، ومتشكل من أحزاب حرة في انتخابات حرة، وسلطة تنفيذية، الشفافية قانونها والنزاهة طريقها، الشعب هو الذي يختارها أو يسرحها، وكله تحت عيون صحافة لا مؤممة ولا جارية، حساباتها مكشوفة وأرقامها معروفة، لا رجل أعمال يدفع لها ولا أجنبي يذلها ! قلت كلامي المشتعل والعفريت منفعل، فاغرًا فاه، جاحظًا عيناه، ولم ينطق بأي حروف كما لو أنه مكسوف ! سألته : ما رأيك .. دام لنا سحرك؟ ! قال : لا سحر كل الجان ينفع ولا حتي الملك سليمان يقدر ! قلت : وماذا إذن تفعل؟ قال : هذه أشياء من صنع البشر لا نفهم فيها ولا نقدر عليها ! قلت : لكن أنتم العفاريت جبارين والبشر من طين ! قال : العقل هو سر القوة وسر الضعف .. سر النار وسر الحرف، قوتنا من غير وعي وقوتكم بالسعي ! قلت : يعني لن تساعدنا ولن تأخذ بأيدينا ! قال : السر في رؤوسكم .. وبها تعرفون خلاصك .. الناس لها حق الاختيار، بين الجنة والنار، تسكت تستاهل ما يجري لها، تتنازل يضيع حقها، تقف لمن يظلمها ينحني لها ويحترمها ! سكت العفريت برهة ثم أكمل : ما تطلبه محال أن يحققه جان .. هو عمل الإنسان ابن الإنسان .. ومن يختار أن يعيش في التراب له التراب، ومن أراد الطيران سكن السحاب .. وأنتم الذين اخترتم ولا أستطيع أن أغير اختياركم، ومن المحال أن يدوم الحال، وكلما ضاقت فرجت، وكلما اختنقت انفجرت ! ضحك العفريت وقهقه .. وفرد جناحيه وحلق وجاءني صوته بعد أن ابتعد : مصر بلد العجائب حقا .. وداعا يا ابن المصري .. الحبس في خاتم سليمان أرحم ! وقبل أن أنطق .. نور الصبح شقشق، فانقطعت الكلمات، وقال العفريت » غدا نكمل الحكايات .. ثم اختفي «. وللحوار بقية

تسلم عز على الطرح الرائع
تحياتى ليك
تقبل مرورى البسيط
اخوك